حث الإسلام على الأخوة ومراعاته لها
إن النعمة التي تعيشونها هي امتثال لأمر عظيم صريح جلي في كتاب الله تبارك وتعالى، في آيٍ كثيرة، وكذلك في أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه هديه الدائم في حياته صلى الله عليه وسلم كلها، فالله تبارك وتعالى يقول: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا))[آل عمران:103] ويقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ))[الحجرات:10] هذه الآية العظيمة التي تؤكد على أن المؤمنين إخوة، وقد جاءت في سياق ليس سياق الجهاد، فتكون الأخوة مقابل الكفر مثلاً، أو الأخوة مقابل عمل من الأعمال التي تجتمع عليها الأمة، بل هذه الحقيقة جاءت في سياق: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9].
لاحظ! نسبهما إلى الإيمان مع وجود ووقوع الاقتتال بينهما، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة أن الذنوب لا تخرج أحداً عن الإسلام، وإن كانت الكبائر بلا شك هي خطر على فاعلها، وهو داخل تحت الوعيد، وإن لم يتب أو يغفر له الله تبارك وتعالى فإنه يدخل بذلك الوعيد النار، إلى أن يشاء الله تبارك وتعالى؛ لأنه لا يخلد في النار أحد من أهل القبلة، فالمقصود ليس التهوين من شأن الكبائر أو الذنوب، ومن أعظمها: الاقتتال بين المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} ومع ذلك: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9].
ثم يقول: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ))[الحجرات:10] لاحظوا عمق الأخوة الإيمانية وتجذرها، وثباتها ورسوخها، بحيث لا يمكن التغاضي أو التنازل عنها حتى في أشد حالات العداوة أو الاقتتال، أو التعامل مع المقتتلين الذين يرتكبون أكبر ما يمكن أن يعد من الاعتداء على حقوق الأمة والأخوة الإيمانية.
والأحاديث في هذا كثيرة وكثيرة جداً في الأخوة الإيمانية، والمحبة التي يجب أن تكون بين المسلمين، والتعامل الذي يجب أن يكون بينهم، لا أريد أن أذكرها. أقول: لكل واحد منكم أن يستذكرها فالكل يحفظها ويعرفها.
ولكن أريد أن أنبهكم إلى شيء مهم فيها، الأحاديث التي جاءت في بيان الحقوق الواجبة بين المسلمين تعبر عن هذا الأخ الذي تتعامل معه أنت بلفظ الإسلام، وهي تعطيه وصف الإسلام، فلماذا لا يكون الإيمان؟ وأيهما أعلى مرتبة؟ الإيمان أعلى طبعاً، فالمسلمون كل أهل القبلة، وكلهم مسلمون، لكنّ المؤمنين هم خيار أهل القبلة، فهم الذين يتبعون هديه صلى الله عليه وسلم، والممتثلون لأمر الله ورسوله، التاركون لما نهى عنه، أي: هم بين السابق وبين المقتصد: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ))[فاطر:32] فالمؤمنون درجة أعلى.